فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} أي تقرؤها عليهم.
{قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} لولا بمعنى هّلا.
ولا يليها على هذا المعنى إلا الفعل ظاهرًا أو مضمرًا، وقد تقدّم القول فيها في البقرة مستوفى.
ومعنى {اجتبيتها} اختلقتها من نفسك.
فأعلمهم أن الآيات من قبل الله عز وجل، وأنه لا يقرأ عليهم إلا ما أنزله عليه.
يقال: اجْتَبَيْتُ الكلام أي ارتجلته واختلقته واخترعته إذا جئت به من عند نفسك.
{قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي} أي من عند الله لا من عند نفسي.
{هذا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ} يعني القرآن، جمع بصيرة، هي الدلالة والعبرة.
أي هذا الذي دللتكم به على أن الله عز وجل واحدٌ بَصَائِرُ، أي يُستبصَر بها.
وقال الزجاج: {بَصَائِرُ} أي طُرُقٌ.
والبصائر طُرُقُ الدِّين.
قال الجُعْفِيّ:
راحوا بصائرهم على أكتفافهم ** وبَصيرتِي يَعْدُوا بها عَتِدٌ وأَي

{وَهُدًى} رشد بيان.
{وَرَحْمَةً} أي ونعمة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإذا لم تأتهم بآية} يعني وإذا لم تأت المشركين يا محمد بآية ومعجزة باهرة {قالوا} يعني قال المشركون {لولا اجتبيتها} يعني افتعلتها وأنشأتها من قبل نفسك واختيارك تقول العرب اجتبت الكلام إذا اختلقته وافتعلته.
وقال الكلبي: كان أهل مكة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الآيات تعنتا فإذا تأخرت اتهموه وقالوا لولا اجتبيتها يعني هلا أحدثتها وأنشأتها من عندك {قل} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوا الآيات {إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي} يعني القرآن الذين أنزل عليّ وليس لي أن أقترح الآيات والمعجزات {هذا بصائر من ربكم} يعني هذا القرآن حجج وبرهان وأصل البصائر من الإبصار وهو ظهور الشيء حتى يبصره الإنسان ولما كان القرآن سببًا لبصائر العقول في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أطلق عليه اسم البصائر فهو من باب تسمية السبب باسم المسبب {وهدى} يعني وهو هدى {ورحمة} يعني وهو رحمة من الله: {لقوم يؤمنون} وهنا لطيفة وهي الفرق بين هذه المراتب الثلاث وذلك أن الناس متفاوتون في درجات العلوم فمنهم من بلغ الغاية في علم التوحيد حتى صار كالمشاهد وهم أصحاب عين اليقين ومنهم من بلغ درجة الاستدلال والنظر وهم أصحاب علم اليقين ومنهم المسلم والمستسلم وهم عامة المؤمنين وهم أصحاب حق اليقين فالقرآن في حق الأولين وهم السابقون بصائر وفي حق القسم الثاني وهم المستدلون هدى وفي حق القسم الثالث وهم عامة المؤمنين رحمة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها}.
روى أنّ الوحي كان يتأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا فكان الكفار يقولون: هلا اجتبيتها ومعنى اللفظة في كلام العرب تخيرتها واصطفيتها، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم: المراد هلا اخترعتها واختلقتها من قبلك ومن عند نفسك والمعنى أنّ كلامك كله كذلك على ما كانت قريش تدعيه كما قالوا: {هذا إلا إفك مفترى}، قال الفرّاء تقول العرب اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك، وقال الزمخشري: اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه كقوله اجتمع أو جبى إليه فاجتباه أي أخذه كقولك: جليت العروس إليه فاجتلاها والمعنى هلا اجتمعتها افتعالًا من قبل نفسك، وقال ابن عباس أيضًا والضحاك: هلا تلقيتها، وقال الزمخشري هلاّ أخذتها منزلة عليك مقترحة انتهى، وهذا القول منهم من نتائج الإمداد في الغيّ كانوا يطلبون آيات معينة على سبيل التعنّت كقلب الصفا ذهبًا وإحياء الموتى وتفجير الأنهار وكم جاءتهم من آية فكذبوا بها واقترحوا غيرها.
{قل إنما أتبع ما يِوحى إلي من ربي} بيّن أنه ليس مجيء الآيات إليه إنما هو متبع ما أوحاه الله تعالى إليه ولست بمفتعلها ولا مقترحها.
{هذا بصائر من ربكم} أي هذا الموحى إليّ الذي أنا أتبعه لا أبتدعه وهو القرآن. أي حجج وبينات يبصر بها وتتضح الأشياء الخفيّات وهي جمع بصيرة كقوله: {على بصيرة أنا ومن اتبعني} أي على أمر جليّ منكشف وأخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات، وقيل: هو على حذف مضاف أي ذو بصائر.
{وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} أي دلالة إلى الرّشد {ورحمة} في الدارين وفي الدين والدنيا وخصّ المؤمنين لأنهم الذين يستبصرون وهم الذين ينتفعون بالوحي يتبعون ما أمر به فيه ويجتنبون ما ينهون عنه فيه ويؤمنون بما تضمنه، وقال أبو عبد الله الرازي: أصل البصيرة الإبصار لما كان القرآن سببًا لبصائر العقول في دلالة التوحيد والنبوة والمعاد أطلق عليه اسم البصيرة تسميةً للسبب باسم المسبّب والناس في معارف التوحيد والنبوة والمعاد ثلاثة أقسام، أحدها: الذين بالغوا في هذه المعارف إلى حيث صاروا كالمشاهدين لها وهم أصحاب عين اليقين فالقرآن في حقهم بصائر، والثاني: الذين وصلوا إلى درجات المستدلين وهم أصحاب علم اليقين فهو في حقهم هدى، والثالث: من اعتقد ذلك الاعتقاد الجزم وإنْ لم يبلغ مرتبة المستدلّين وهم عامة المؤمنين فهو في حقهم رحمة، ولما كانت هذه الفرق الثلاث من المؤمنين قال: {لقوم يؤمنون} انتهى، وفيه تكميل وبعض تلخيص. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِئَايَةٍ}.
من القرآن عند تراخي الوحي أو بآية مما اقترحوه {قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} اجتبى الشيءَ بمعنى جباه لنفسه، أي هلاّ جمعتَها من تلقاء نفسِك تقوّلا، يرون بذلك أن سائرَ الآياتِ أيضًا كذلك أو هلا تلقيتها من ربك استدعاءً {قُلْ} ردًا عليهم {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى} من غير أن يكون لي دخلٌ ما في ذلك أصلًا على معنى تخصيص حالهِ عليه الصلاة والسلام باتباع ما يوحى إليه بتوجيه للقصر المستفادِ من كلمة إنما إلى نفس الفعلِ بالنسبة إلى مقابله الذي كلفوه إياه عليه الصلاة والسلام لا على معنى تخصيصِ اتباعِه عليه الصلاة والسلام بما يوحى إليه بتوجيه القصرِ إلى المفعول بالقياس إلى مفعول آخرَ كما هو الشائع في موارد الاستعمال وقد مر تحقيقه في قوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} كأنه قيل: ما أفعل إلا اتباعَ ما يوحى إلي منه تعالى وفي التعرض لوصف الربوبيةِ المنبئةِ عن المالكية والتبليغِ إلى الكمال اللائقِ مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام من تشريفه عليه الصلاة والسلام والتنبيهِ على تأييده ما لا يخفى {هذا} إشارةٌ إلى القرآن الكريم المدلولِ عليه بما يوحى إلي {بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} بمنزلة البصائرِ للقلوب بها تُبصِر الحقَّ وتدرك الصواب، وقيل: حججٌ بينةٌ وبراهينُ نيِّرةٌ. و{من} متعلقةٌ بمحذوف هو صفةٌ لبصائرَ مفيدةٌ لفخامتها أي بصائرُ كائنةٌ منه تعالى، والتعّرضُ لعنوان الربوبيةِ مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد وجوبِ الإيمانِ بها وقوله تعالى: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} عطفٌ على بصائرُ، وتقديمُ الظرفِ عليهما وتعقيبُهما بقوله تعالى: {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} للإيذان بأن كونَ القرآنِ بمنزلة البصائرِ للقلوب متحققٌ بالنسبة إلى الكل وبه تقوم الحجة على الجميع، وأما كونُه هدى ورحمةً فمختصٌّ بالمؤمنين به إذ هم المقتبِسون من أنواره والمغتنِمون بآثاره، والجملةُ من تمام القولِ المأمورِ به. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ}.
من القرآن عند تراخي الوحي كما روي عن مجاهد وقتادة والزجاج، أو بآية مقترحة كما روي عن ابن عباس والجبائي وأبي مسلم {قَالُواْ لَوْلاَ اجتبيتها} أي هلا جمعتها ولفقتها من عند نفسك افتراء، أو هلا أخذتها من الله تعالى بطلب منه، وهو تهكم منهم لعنهم الله تعالى، ومما ذكرنا علم أن لاجتبى معنيين جمع وأخذ ويختلف المراد حسب الاختلاف في تفسير الآية، وعن علي بن عيسى أن الاجتباء في الأصل الاستخراج ومنه جباية الخراج، وقيل: أصله الجمع من جبيت الماء في الحوض جمعته، ومنه قيل للحوض جابية لجمعه الماء، وإلى هذا ذهب الراغب، وف الدر المصون جبى الشيء جمعه مختارًا ولذا غلب اجتبيته بمعنى اخترته.
وقال الفراء يقال اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك وكذا اخترعته عند أبي عبيدة، وقال ابن زيد: هذه الأحرف تقولها العرب للكلام يبتديه الرجل لم يكن أعده قبل ذلك في نفسه، ومن جعل الأصل شيئًا لا ينكر الاستعمال في الآخر مجازًا كما لا يخفى {قُلْ} ردًا عليهم {إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَىَّ مِن رَّبّى} من غير أن يكون لي دخل ما في ذلك أصلًا على معنى تخصيص حاله عليه الصلاة والسلام باتباع ما يوحى إليه بتوجيه القصر إلى نفس الفعل بالنسبة إلى مقابله الذي كلفوه إياه عليه الصلاة والسلام لا على معنى تخصيص اتباعه صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه بتوجيه القصر بالقياس إلى مفعول آخر كما هو الشائع في موارد الاستعمال كأنه قل: ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلي منه تعالى دون الاختلاف والاقتراح، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى {هذا} إشارة إلى القرآن الجليل المدلول عليه بما يوحى إليّ {بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} أي بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب، أو حجج بينة وبراهين نيرة تغني عن غيرها فالكلام خارج مخرج التشبيه البليغ، وقد حققت ما فيه على الوجه الأتم في الطراز المذهب، أو فيه مجاز مرسل حيث أطلق المسبب على السبب، وجوز أن تكون البصائر مستعارة لإرشاد القرآن الخلق إلى إدراك الحقائق، وهذا مبتدأ وبصائر خبره، وجمع خبر المفرد لاشتماله على آيات وسور جعل كل منها بصيرة، و{مِنْ} متعلقة بمحذوف وقع صفة لبصائر مفيدة لفخامتها أي بصائر كائنة منه تعالى، والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد وجوب الإيمان بها، وقوله سبحانه وتعالى: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} عطف على بصائر، وتنوينهما للتفخيم، وتقديم الظرف عليهما وتعقبهما بقوله تعالى: {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} كما قال شيخ الإسلام للإيذان بأن كون القرآن بصائر متحقق بالنسبة إلى الكل وبه تقوم الحجة على الجميع، وأما كونه البعض من أن الثلاثة للمؤمنين، فقد قال النيسابوري في التفسير: إن البصائر لأصحاب عين اليقن والهدى لأرباب علم اليقين والرحمة لغيرهم من الصالحين المقلدين على أتم وجه والجميع لقوم يؤمنون، وذكر نحو ذلك الخازن وادعى أنه من اللطائف وهو خلاف الظاهر بل لا يكاد يسلم، وهذه الجملة على ما يظهر من تمام القول المأمور به.
واحتج بالآية من لم يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه نظر. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ} أي: مما اقترحوه: {قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا} أي: هلا تكلفتها وأنشأتها من عندك {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي} أي: فلست بمفتعل للآيات، ولا أتقدم إليه تعالى في شيء منها.
ثم أرشدهم تعالى إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات، وأبين الدلالات، وأصدق الحجج والبينات، فقال سبحانه: {هَذَا} أي: القرآن: {بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ} أي: بمنزلة البصائر للقلوب، بها يبصر الحق، ويدرك الصواب.
فالكلام على طريقة التشبيه البليغ أو سبب البصائر، فهو مجاز مرسل أو استعارة لإرشاده، أو المعنى: حجج بيّنة، وبراهين نيّرة. وإنما جمع خبر المفرد لاشتماله على آيات وسور، جعل كل منها بصيرة. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم- لتأكيد وجوب الإيمان بها {وَهُدًى} أي: من الضلالة: {وَرَحْمَةٌ} أي: من العذاب: {لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: به، فيتفكرون في حقائقه.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية أنه تعالى ينزل الآيات بحسب المصلحة، لا بحسب اقتراحهم، لأن ذلك قد يكون فسادًا. ويدل قوله: {هَذا بَصَائِرُ} أن المعارف مكتسبة.
وتدل أن جميع ما يقوله الرسول ويفعله من الشرع من وحيه، لذلك قال: {أتَّبِعُ ما يُوحى إِليَّ}، ومتى قيل: هل تدل الآية على أنه لا يجتهد ولا يقيس؟
قلنا: لا، لأن القياس والإجتهاد إذا كان متعبدًا به، فاتباعه اتباع الوحي، كالعامي يقبل من المفتي، والعالم يجتهد، ويتبع الوحي، كذلك هذا.
والذي يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئًا من تلقاء نفسه حتى يؤمر به- انتهى كلامه- وفي إطلاقه تفصيل له موضع آخر. اهـ.